تتأهب دبي، المدينة التي تتخطى الحدود وتحتضن المستقبل، للعب دور فعّال في تشكيل عالم التنقل في المستقبل. وباعتبارها المضيفة للمؤتمر العالمي الثلاثين لأنظمة النقل الذكية 2024، تحت شعار “التنقل المدفوع بأنظمة النقل الذكية”، تعد مثالاً حيوياً لكيفية قدرة التقنيات الذكية على تحويل وسائل النقل وإنشاء مدينة متصلة ومستدامة.
سيعقد المؤتمر العالمي لأنظمة النقل الذكية في الفترة من 16 إلى 20 سبتمبر في المركز التجاري العالمي، وتنظمه المنظمة الأوروبية لأبحاث النقل الذكي (ERTICO – ITS Europe) بالشراكة مع هيئة الطرق والمواصلات في دبي (RTA).
ومن المتوقع أن يجمع الاجتماع الدولي هذا، خبراء أنظمة النقل الذكية وأكثر من 500 عارض وما يصل إلى 20,000 مشارك دولي من جميع أنحاء العالم، لمناقشة التنقل المتصل، والآلي والتنقل النظيف والبيئي، والخدمات اللوجستية. ويشكل هذا المؤتمر ملتقى لوجهات النظر والخبرات المتنوعة، ويوفر تربة خصبة لتوليد الأفكار المتقدمة، وإبرام شراكات تُغيّر قواعد اللعبة، ما يدفع مستقبل التنقل الذكي إلى الأمام.
لم يكن بوسع المؤتمر العالمي لأنظمة النقل الذكية اختيار وجهة أكثر ملاءمة من دبي، والتي بفضل سعيها الدؤوب للابتكار، وضعت الأساس لنظام بيئي للنقل يوفر دمجاً سلساً بين التكنولوجيا وبين احتياجات الإنسان.
أطلقت هيئة الطرق والمواصلات، العام الماضي، استراتيجيتها الرقمية 2023-2030، والتي تتضمن 82 مشروعاً ومبادرة رائدة باستثمارات تبلغ 1.6 مليار درهم، وتهدف إلى دفع هيئة الطرق والمواصلات إلى طليعة الابتكار الرقمي، وإعادة تعريف التنقل من خلال التكنولوجيا المالية، وتعزيز معدلات اعتماد الخدمات، ورفع مهارات الموظفين، وتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة.
وعند الإعلان عن الاستراتيجية، قال معالي مطر الطاير، المدير العام ورئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات: “تتبنى الهيئة – بثبات – التقنيات الحديثة، وتقود التحول الرقمي، وتستفيد من الموارد لتقديم خدمات مبتكرة تركز على الجودة.”
هذا السعي الدؤوب لتحقيق التقدم يجعل من دبي بيئة مثالية لعرض الإمكانات التحويلية لحلول أنظمة النقل الذكية.
ومترو دبي الشهير، الذي يمثل تحولاً فريداً في مجال التنقل ذاتي القيادة، يُظهر التزام المدينة بتوفير وسائل نقل عام تتسم بالكفاءة وسهولة الوصول إليها، ويخدم المترو أكثر من 1.7 مليون راكب يومياً.
تتكون الشبكة الشريانية لمترو دبي من خطين؛ الأحمر والأخضر، يعملان منذ أكثر من عقد من الزمن. تقع محطات الخط الأخضر في بر دبي وديرة، بينما يربط الخط الأحمر المطار بوسط المدينة ومرسى دبي ومنطقة إكسبو 2020.
ذكرت هيئة الطرق والمواصلات، مؤخراً، أنها تفكر في توسيع خدمات ومرافق شبكة المترو، وذلك من خلال عزمها على تنفيذ الخط الأزرق لمترو دبي بتكلفة تبلغ 18 مليار درهم، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله في 2029، ويمتد مساره 30 كلم، منها 15.5 / كلم تحت الأرض و14.5 /كلم فوق سطح الأرض.
وهناك نظام قطارات آخر مؤتمت بالكامل في دبي وهو ترام دبي. وهو أول مشروع ترام خارج أوروبا يعمل بنظام تغذية كهربائية أرضية ممتدة على طول المسار. ولا تقتصر خدمات شبكتي المترو والترام على نقل الأشخاص من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) بسلاسة فحسب، بل يبقيانهم على اتصال أثناء التنقل، بفضل توفر خدمة الواي فاي المجانية للمستخدمين في المحطات وأثناء الرحلات.
وتماشيًا مع التزامها بالتنقل المستدام، اتخذت هيئة الطرق والمواصلات أيضاً خطوات متعددة لتشجيع الجمهور على استخدام وسائل النقل الجماعي مثل الحافلات العامة، ومن بين هذه المبادرات؛ خدمة (الحافلات حسب الطلب)، والتي تعمل في بعض المناطق. وفي هذه المواقع، باستخدام أحد التطبيقات، يُمكن للمستخدمين المسجلين حجز رحلة والكتابة في أماكن الركوب والتوصيل. يتوفر للأفراد خيار الحجز، إما كراكب منفرد أو كشخص ضمن مجموعة، مع القدرة على استيعاب ما يصل إلى ستة أشخاص في هذه المركبات التي تتوفر بها مساحات للكراسي المتحركة.
تعد وسائل النقل العام مهمة للغاية للممارسات الصديقة للبيئة، وهناك أكثر من 1500 حافلة عامة في المدينة بما في ذلك الحافلات المغذية التي تربط محطات الحافلات المحددة بالمترو.
وبالحديث عن محطات الحافلات، تعمل هيئة الطرق والمواصلات على تجديد عدد لا بأس به منها أيضاً، حيث أعلنت في ديسمبر 2023 عن إضافة 762 مظلة جديدة لانتظار ركاب الحافلات في جميع أنحاء المدينة، ومن المتوقع الانتهاء منها في العام المقبل. وستكون هذه المظلات مكيفة جزئياً ومظللة، وفي جزء منها سيتم استخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد.
المدينة الذكية هي التي تستخدم تكنولوجيا أنظمة النقل الذكية لربط خدمات المدينة بالناس، واستخدام التكنولوجيا لمعالجة وحل التحديات الحضرية، منها إمكانية الوصول. ومن هذا المنطلق، قامت هيئة الطرق والمواصلات بتجهيز عدد من المركبات المخصصة لأصحاب الهمم على الطرق، مزوّدة بمصاعد خاصة للكراسي المتحركة، وأجهزة تنفس اصطناعي، وكرسي متحرك على متنها، ومقاعد للمرافقين.
يوجد في مترو دبي مسارات أرضية بارزة يمكن تلمُّسها لإرشاد الأشخاص من ذوي الإعاقة في مسارهم داخل المحطات، وكاميرات مراقبة تلفزيونية للأشخاص ضعاف السمع، وإشعارات صوتية للأشخاص ضعاف البصر، ومساحة مخصصة للكرسي المتحرك في كل عربة على مقربة من الباب.
كما تم تجهيز محطات النقل البحري لتكون صديقة لأصحاب الهمم.
أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة بطاقة ذكية تسمى بطاقة “سند”، والتي تتيح لحامليها الوصول إلى بعض المرافق والاستفادة من خصومات معينة. وفي أنظمة النقل العام، يمكن للأشخاص ذوي الهمم التنقل مجاناً.
كما أطلقت الهيئة مجموعة من التطبيقات الذكية لتسهيل عملية التنقل داخل وخارج الإمارة، ومن بينها تطبيق (RTA Dubai) الذي حاز على عدد من الجوائز، ويضم أكثر من 40 خدمة وميزة، وكذلك تطبيق (دبي درايف) الذي يوفر خدمات تسجيل ومواقف المركبات ورسوم سالك، وتطبيق (سالك) المختص برسوم المرور على الطرق، وتطبيق (الطرق الذكية) الذي يعمل دليلاً للطرق دون الحاجة للاتصال بالإنترنت عبر الهاتف المحمول.
وهناك تطبيق (سهيل)، وهو رفيقك الأمثل لإدارة حسابات بطاقات نول الذكية وحجز مركبات أجرة، أو غيرها من المركبات والتخطيط لرحلات الحافلات بين المدن، وتطبيق (نول) الذي يسمح لك بتعبئة بطاقة نول الخاصة بك في أي مكان، وتطبيق (DTC) الذي يوفر خدمة حجز مركبات الأجرة والليموزين.
كما سهّلت الهيئة عملية الدفع لخدمات وسائل النقل العام باستخدام بطاقة نول الذكية، وتنوعت استخداماتها لأغراض متنوعة كدفع قيمة المشتريات من البقالة في بعض المتاجر، ما يجعلها خياراً متعدد الاستخدامات للمواطنين والمقيمين والزوار. وهذا هو ما يميز دبي، فبينما تحتضن الإمارة سحر الأعاجيب التكنولوجية، فإنها لا تغفل عن الصورة الأكبر.
وتلتزم دبي بالممارسات المستدامة، وتسعى لتطوير أنظمة النقل بها، وتركز على المبادرات الصديقة للبيئة مثل المركبات الكهربائية، والبنية التحتية للدراجات، وأنظمة إدارة المرور الذكية، ما يعكس التزامها بمستقبل أكثر صفاءً وخضرة، وهو ما يتماشى تماماً مع تركيز المؤتمر العالمي لأنظمة النقل الذكية على حلول التنقل المستدامة.
وتتبوأ الاستدامة مكانة متقدمة في أولويات دبي، حيث من المخطط في العام 2024 أن يتم التركيز على وسائل التنقل المشترك والمرن، والقيادة الذاتية للركاب والبضائع والخدمات الشخصية، وذلك وفقاً لتقرير الاستدامة الصادر عن هيئة الطرق والمواصلات لعام 2022.
وفي 14 ديسمبر 2023، أجرت هيئة الطرق والمواصلات تجربة قيادة لمركبة كهربائية ذاتية القيادة، حيث استقل سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، المركبة في أول رحلة تجريبية في جميرا “1 “.
وقال معالي مطر الطاير حينها: “يعد اختبار مركبات الرحلات ذاتية القيادة خطوة حاسمة نحو تعزيز ريادة دبي العالمية في تنفيذ وسائل النقل ذاتية القيادة. ويساهم هذا المشروع في تحقيق استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة، التي تهدف إلى تحويل 25% من جميع رحلات التنقل في الإمارة إلى وسائل نقل ذاتية القيادة بحلول عام 2030.
هيئة الطرق والمواصلات في حالة بحث دائم عن أساليب جديدة لتحسين النقل في دبي. وتعمل حالياً على استكمال عدد من المشاريع ذات التوجه المستقبلي، مثل تطوير مركبات التاكسي الجوي.
وفي عام 2026، تخطط هيئة الطرق والمواصلات لطرح خدمة التاكسي الجوي. ولهذا السبب، أبرمت شراكة مع شركة FlyNow النمساوية، التي ستبدأ بإطلاق خدمات الشحن قبل إضافة الركاب إلى قائمتها. وتبلغ سرعة مركبات التاكسي الجوي ذات الإقلاع والهبوط العمودي (eVTOL)، 130 كلم في الساعة. ولا تزال هذه المشاريع في المراحل الأولى من التطوير، لكنها تتمتع بالقدرة على إحداث ثورة في مجال النقل في دبي ومختلف أنحاء العالم.
وتعمل هيئة الطرق والمواصلات كذلك على تسخير الذكاء الاصطناعي (AI) للمساعدة في جعل الطرق أكثر أماناً للجميع. وفي عام 2023، وخلال معرض التكنولوجيا جايتكس 2023، كشفت الهيئة عن تقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لرصد وتقييم أداء راكبي دراجات التوصيل العاملين في دبي.
كما طرحت الهيئة، أيضاً، منصّة مؤسسية شاملة مخصصة لإنشاء وتطوير حلول الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. وهذه المنصة قادرة على التعامل بكفاءة مع البيانات المملوكة لهيئة الطرق والمواصلات، وإعادة هيكلتها لتسهيل تدريب نماذج التعلم الآلي. وتلعب المنصّة دوراً حاسماً في تعزيز عمليات الهيئة، بما في ذلك الصيانة التنبؤية للطرق والجسور، وتخطيط طرق النقل العام، وإدارة الحشود، وعدد من التطبيقات الأخرى. لا يقتصر دور المؤتمر العالمي الثلاثين لأنظمة النقل الذكية في دبي على عرض الحاضر؛ بل يتصدى لتشكيل المستقبل، حيث تخدم التكنولوجيا البشرية، وتدفعنا نحو عالم أكثر تواصلاً واستدامة وسهولة في الوصول إليه. وفي ختام المؤتمر، سيتم حمل شعلة التقدم إلى الأمام، لتضيء المدن في جميع أنحاء العالم، وتغير الطريقة التي نتحرك بها إلى الأبد.